14 - 05 - 2025

وجهة نظري| مناعة أم نهاية القطيع?!

وجهة نظري| مناعة أم نهاية القطيع?!

ما أن تردد مصطلح "مناعة القطيع"، حتى بدأت كثير من دول العالم اتباعها للتعامل مع فيروس كورونا، كأمر واقع بعدما تيقن الجميع أن الأفق لا يحمل نهاية سريعة له، ومن الصعب التنبؤ بمدى زمنى للقضاء عليه أو انحساره، بل ومن الأرجح أن ينجح كورونا في التحور ليعاود هجومه بموجات أخرى أكثر شراسة وخطرا وحصدا للأرواح، خاصة وأن التوصل للقاح فعال ناجح يستغرق بدوره فترة زمنية ليست بالقليلة مقارنة بشراسة وسرعة إنتشار الفيروس اللعين.

كل تلك الميررات ساقتها وروجت لها كثير من الدول، التي رأت أن التعامل مع الفيروس والتعايش معه، ليس منه مفر، لأن تبعات الحظر وتوقف الحياة سيلحق اضرارا اقتصادية يصعب تداركها وتحملها وأن خروج الناس لممارسة حياتهم الطبيعية وإعادة دوران عجلة الحياة والإنتاج أفضل كثيرا من توقف مفزع لن نجنى منه سوى الدمار.

تلك المبررات التي لاتخلو من وجاهة ومنطق من وجهة نظر البعض، يراها آخرون توحشا وبراجماتية ولا إنسانية في اقصى صورها.

فمناعة القطيع في معناها الصريح دون تجمل هي إبادة للبشر، وتركهم عرضة لفتك الفيروس، ما يفتح الباب أمام توحش الوباء وترك الحبل له على غاربه ليمرح حاصدا الملايين من الأرواح بلا رحمة.

مناعة القطيع معناها أن نترك الفيروس ينهش في أجساد الضعفاء والمسنين وأصحاب الأمراض المزمنة ومرضى الأورام، ممن إبتلاهم الله بأخبث الأمراض، فأصابهم بوهن الروح قبل الجسد، فهل نحملهم فوق آلامهم مزيدا من المعاناة والوجع ونجعلهم تحت رحمة ذلك الفيروس اللعين.

لن تجدي الكلمات بالطبع، مع قرارات حكام العالم بالمضى قدما في تطبيق مناعة القطيع ولن تنجح المعارضة والاحتجاج في إعادة النظر فيها أو مراجعتها أو التراجع عنها.

ربما يبدو الأمر على درجة عالية من الصعوبة على أولئك الذين يرسمون السياسات، فقراراتهم لا تحكمها الإنسانية، وإنما المصالح والنفعية والبراجماتية.

لكن وإن سلمنا مرغمين، بأن مناعة القطيع هي سياسة الأمر الواقع، والتى بدأت مصر بدورها تتخذ خطوات واضحة لتطبيقها، يبقى من الضرورى التأكيد على أهمية اتخاذ الإجراءات الحازمة حتى لا تتحول مناعة القطيع إلى نهاية وإبادة للقطيع.

أولى هذه الإجراءات توفير أدوات التعقيم اللازمة لكل الطواقم الطبية ويكفي ما استزفناه من أرواح، ومادفعته الطواقم الطبية من خسائر طوال الفترة الماضية.

ثانيا: يجب توفير أماكن مجانية للعزل أو بأسعار مقبولة، أما أن يقتصر الأمر على تلك الأرقام الفلكية التي أعلن عنها مستشفى قصر العيني الفرنساوى، ثم عاد وأكد أنها للأجانب، والتي وصل فيها كشف الإصابة بكورونا بدون مسحة إلى 2250 جنيها، وبالمسحة 5210 جنيهات وتكالبف الإقامة العادية إلى 11450جنيها، والإقامة بالرعاية المركزة إلى 16625 جنيه،أما الإقامة لسبعة أيام بجناح فوصلت إلى 62215 جنيها.

ارقام فلكية لاتصيب فقط بالدوار لكنها تصيب بالإختناق، لتجعل من مجرد قراءتها أعراضا لاتختلف كثيرا عن أعراض الفيروس نفسه لينتهى الامر بالوفاة إختناقا وكمدا، بعدما ينقطع كل أمل في مجرد التفكير بوجود مكان مناسب للعلاج .

ثالثا: إذا لم يكن هناك مفر من عودة العمل بالمؤسسات والهيئات والمصانع، فعلى الأقل تكون العودة تدريجية بتقسيم أيام الأسبوع وبالتبادل بين العاملين تحسبا لخطر وسرعة الإصابة.

رابعا: ضمان الالتزام بإعادة تقييم الوضع الوبائى كل أربعة عشر يوما الذى أعلنته الحكومة وإتخاذ القرارات والإجراءات التي تتماشى مع ذلك الوضع.

فهل نضمن تطبيق تلك الإجراءات بصرامة! هل نضمن أن يجد كل مصاب بالفيروس مكانا مناسبا لعلاجه، قبل أن تتدهور حالته ويصبح أقرب للوفاة منه للسلامة والتعافى؟! هل نلتزم بمعايير السلامة وإجراءات التعقيم المطلوبة؟! هل نطبق التباعد الإجتماعى المطلوب لضمان سلامة الجميع؟! هل نلتزم الشفافية في الإعلان عن أرقام المصابين والوفيات، ولا نخفيها من أجل المحافظة على ما نتوهمه من استمرار عجلة الإنتاج التي من المؤكد أن تروسها لن تدور إلا بالمحافظة على أرواح البشر لا إزهاقها؟! هل تكون لحياة البسطاء والمهمشين والفقراء أولوية، مثلما نحافظ على مصالح رجال الاعمال؟!

هل نضمن ألا تتحول العقوبات المفروضة على المخالفين للإجراءات الوقائية إلى سيف مسلط على الضعفاء، بينما ينجو منه أصحاب النفوذ والسلطات والجاه والأموال!

بغير ذلك ستكون مناعة القطيع مجرد وسيلة لا إنسانية لإبادة وليس حماية البشر.
-----------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

قانون الإيجار القديم .. لغم لا يحمد عقباه